فصل: فصل في الأدوية الجانبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في الوخز والخزق وإخراج ما يحتبس من الشوك والسهام والعظام:

الوخز والخزق متقاربان من حيث أن كلّ واحد منهما نفوذه من جسم حاد صلب في البدن وإنما يختلفان في حجم الجسم النافذ فيشبه أن يكون الوخز لما دق وصغر والخزق بالزاي معجمة لما حجم وعظم ويشبه أن يكون الزهر مع صغر النافذ يقتضي قصر المنفذ كأنه لا يعدو الجلد ومثل هذا فإنه خفيف المضرة إن لم يتعرض له وترك صلح بنفسه ولو في رديء اللحم اللهم إلا أن يكون في شديد رداءة اللحم فإنه ربما تورم موضعه وحدث به ضربان وخصوصاً إذا كان ذلك الغرز والوخز قد اشتد فصار نخساً واصلاً إلى اللحم ومثل هذا أكبر علاجه أن يسكن ورمه ووجعه ولا يحتاج إلى تدبير الجراحة.
وأما الخزق فإنه يحتاج إلى تدبير الجراحة مع تدبير الوجع والورم.
وقد قيل في تدبير الجراحة وتدبير الأورام ما فيه كفاية والذي لا بد من أن نذكر في هذا الموضع من أمر الوخز والخزق هو التدبير في إخراج ما احتبس في البدن من الشيء الواخز والخازق في البدن شوكاً كان أو نصلاً وما أشبه ذلك وهذا الإخراج قد يكون بالآلات المنشبة بالشيء الجاذبة له وقد يكون بالعصر وما يشبهه وقد يكون بخواص أدوية جاذبة تخرج ما يعجز عنه الكلبتان وسائر الآلات.
فأما القانون فيما يخرج بالآلات المنشبة مثلا: استخراج النصول بالكلبتين المبردية الرؤوس ليشتد نشوبها فالقانون فيه أن يتوقى انكسار المقبوض عليه بها وأن يكون طريقها إلى المنزوع موسعاً لا يمنع جودة التمكن منه وأن يطلب أسهل الطريق لإخراجه إن كان نافذاً من جانبين فيوسع الجانب الذي هو أولى بأن يخرج منه توسيعاً بقدر الحاجة.
وأما الحيلة في أن لا ينكسر فهو أن لا يحرك تحريكاً قوياً بغتة بل يقبض عليه فيهز هزاً يعرف به قدر انغرازه وتشبثه أو قلقه عنه ثم يجذب جذباً على الاستقامة وكثيراً ما يحتاج إلى أن يترك أياماً ليقلق فيه ثم يخرج وقد قال بعض العلماء بهذه الصنعة قولاً نورده على وجهه.
إن انتزاع السهام ينبغي أن يتعرّف قبله أنواع السهام فإن بعضها يكون من خشب وبعضها يكون من قصب وأزجتها تكون من الحديد ومن النحاس ومن الرصاص القلعي ومن القرون العظام ومن الحجارة ومن القصب ومن الخشب.
وبعضها يكون مستديراً وبعضها يكون له ثلاث زوايا وأربع زوايا ومنها ما له ألسن لسانان أو ثلاثة ومنها ما يكون له زجّ ومنها ما لا يكون له زجّ والذي له زجّ فربما كان زجّه مائلاً إلى خلف لكي ما إذا مدّ إلى خارج تعلق بالجسم وفي بعضهم يكون الزجّ مائلاً إلى قدام ليندفع ومنها ما تكون أزجته تتحرك بشيء شبيه بلولب فإذا مدّت إلى خارج تنبسط فتمنع السهم من الخروج وبعضه يكون زجّه عظيماً ويكون له طرف قدر ثلاث أصابع وبعضها قدر إصبع وتسمى ذبابية وبعضها يكون بسيطاً وبعضها يكون قد زيدت عليه حدائد دقاق فإذا أخرج السهم بقيت تلك الحدائد في عمق الأجسام وبعضها يكون زجّه مغروزاً في السهم وبعضها لزجّه أنابيب تدخل فيها السهام وبعضها تستوثق من تركيبه وبعضها لا يستوثق منه لكي ما إذا جذب إلى خارج فارق السهم الزجّ فبقي الزجّ في الجسد وبعضها يكون مسموماً وبعضها لا يكون مسموماً فالسهم يخرج على نوعين أحدهما الجذب والآخر الدفع وذلك أن السهم إذا نشب في ظاهر الجسد يكون إخراجه بالجذب ويستعمل أيضاً الجذب إذا نشب السهم في عمق الجسد وكان يتخوف من المواضع التي تكون قبالة السهم أنها إن جرحت عرض منها نزف دم مهلك أو أذى شديد ويخرج السهم بالدفع إذا نشب في اللحم وكانت الأجسام التي تستقبلها قليلة ولم يكن هناك شيء يمنع من الشق لا عصب ولا عظم ولا شيء آخر يشبه هذه الأشياء.
فإن كان المجروح عظماً فإنا نستعمل حينئذ الجذب فإن كان السهم ظاهراً جذبناه وإن كان خفياً ينبغي كما قال بقراط إن أمكن المجروح أن يصير نفسه على الشكل الذي كان عليه عندما جرح فينبغي أن يستدل به على السهم وإن لم يمكنه ذلك فينبغي أن يستلقي على ما يمكنه من الشكل وأن يستعمل التفتيش والعصر.
وإن كان قد نشب في اللحم فليجذبه بالأيدي أو بخشبته إن كانت لم تسقط سيما إن لم تكن من قصب فإن كانت سقطت الخشبة فليخرج الزج بكلبتين أو بمنقاش أو بالآلة التي يخرج بها السهام.
وينبغي في بعض الأوقات أن تشق اللحم شقاً أكثر إذا لم يمكن أن يخرج الزج من الشق الأول وإن صار السهم إلى قبالة العضو المجروح ولم يمكن أن يخرج من الجانب الذي منه دخل فينبغي أن تشقّ تلك المواضع التي قبالته ويخرج منها إما بالجذب وإما بالدفع إن كانت خشبة الزج فيه.
وإن كانت الخشبة سقطت فليدفع بشيء آخر ويدفع به الزج إلى خارج وينبغي أن لا يقطع وإن كان للزجّ ذنب فإنا نعلم ذلك من التفتيش وينبغي أن يدخل ذلك الذنب في أنبوب الآلة التي بها يدفع السهم ويدفعه بها فإذا خرج الزج ورأينا فيه مواضع محفورة ويمكن أن يصير فيها حدائد أخر دقاق فلنستعمل التفتيش أيضاً.
فإن أصابنا شيء من هذه الحدائد أخرجناه بهذه الحيل فإن كان للزج شعب مختلفة ولم تجب إلى الخروج فينبغي لنا أن نوسع الشقّ إن لم يكن بالقرب من ذلك الموضع عضو نتخوف منه حتى إن انكشف الزج أخرجناه برفق.
ومن الناس من يجعل تلك الشعب في أنبوب لئلا يخرج اللحم ثم إن كان الجرح ساكناً ليس به ورم حار استعملنا الخياطة أولاً ثم العلاج الذي ينبت اللحم.
وإن كان قد عرض للجرح ورم حار فينبغي أن نعالج ذلك بالتنطيل والأضمدة.
وأما السهام المسمومة فينبغي أن نقوّر اللحم الذي قد صار إليه السهم إن أمكن ويعرف ذلك اللحم من تغيّره عن اللحم الصحيح.
فإن اللحم المسموم يكون رديء اللون كمداً وكأنه لحم ميت فإن انغرز السهم في عظم أخرجناه بالآلة فإن منع من ذلك شيء من اللحوم فينبغي أن نقوره أو نشقه.
فإن كان السهم قد انغرز في عمق العظم فإنا نعلم ذلك من ثبات السهم وقلة حركته وإذا نحن حرّكناه فينبغي لنا أن نقطع أولاً العظم الذي يكون فوق السهم بمقطع أو نثقبه بمثقب ثقباً حوله إن كان للعظم ثخن ويتخلص السهم بذلك فإن كان السهم قد انغرز في شيء من الأعضاء الرئيسة كالدماغ أو القلب وفي الرئة أو البطن أو الأمعاء أو الرحم أو الكبد أو المثانة وظهرت علامات الموت فينبغي أن نمتنع من جذب السهم فإنه يكون من ذلك قلق كثير ولئلا يصير علينا موضع كلام من الجهال مع قلة نفعنا للعليل فإن لم تكن ظهرت علامات رديئة أخبرنا بما نتخوف من الأحداث ونقدم القول في العطب الذي يعرض من ذلك كثيراً ثم نأخذ في العلاج فإن كثيراً ممن أصابه ذلك سلم على غير رجاء سلامة عجيبة.
وكثيراً ما خرج جزء من الكبد وشيء من الصفاق الذي على البطن والثرب والرحم كلها فلم يعرض من ذلك موت على أنا إن تركنا السهم أيضاً في هذه الأعضاء الرئيسة عرض الموت على كل حال ونسبنا إلى قلّة الرحمة وإن انتزعنا السهم فربما سلم العليل أحياناً.

.فصل في الأدوية الجانبة:

يجب أن نضع على موضع الناشب الأشق فإنه جاذب قوي ويؤخذ أصل القصب ويدق ويضمّد به وربما عجن بالعسل والخبز وأيضاً ورق الخشخاش الأسود وورق شجر التين مع سويق أو بزر البنج خصوصاً مع قلقديس وكذلك ثمرة البنج بحالها وأيضاً الخيري بأصنافه والزراوند وبصل النرجس.
ومن الحيوانية أشياء كثيرة منها: الضفادع المسلوخ وهو عجيب جداً لما ينشب في العظام ولذلك يقلع الأسنان والسرطان أيضاً مسحوقاً والأريبات والأنافح كلها وقيل أن العظاءة شديدة ومن المركبات رأس العظاءة مع الزراوند الطويل وأصل القصب وبصل النرجس.
وأما المختصة بجذب العظام الفاسدة من تحت القروح المندملة فنذكرها في باب العظام.

.فصل في قانون علاج حرق النار:

الغرض في علاج حرق النار غرضان: أحدهما منع التنفط والثاني إصلاح ما احترق.
ويحتاج في منع التنفط إلى أدوية تبرد من غير أن يصحبها لذع.
وإما من حيث يعالج الحرق فيحتاج إلى أدوية فيها جلاء ما مع تجفيف ما غير كثير ومن غير أن يلذع مع أن يكون معتدلاً في الحر والبرد وإذا احتيج إلى التدبيرين معاً دبر بالبرد أولاً ثم إن احتيج إلى الثاني فعل.
وأما إن أدرك وقد تنفط فالواجب هو التحبير الثاني وأدويته مثل القيموليا والأطيان الخفيفة الحجم والعدس المطبوخ والمداد الهندي ونحوه.
وأما مثل الكندر والعلك والدسومات فإنها لا تصلح لذلك لأن بعضها أسخن مما ينبغي ولا يخلو عن قوة لذع وبعضها أرطب مما ينبغي.

.فصل في الأدوية الحرفية التي بحسب الغرض الأول:

يؤخذ صندل وفوفل واَجر أبيض جديداً وخزف يُطلى بماء عنب الثعلب وماء الورد أو مرهم من مخ البيض ودهن الورد وأيضاً هندبا ودقيق الشعير مغسولاً ومخ البيض ودهن الورد وأيضاً العدس المسلوق مع دهن الورد وأيضاً الطين الأرمني والخل وأيضاً دهن الورد والشمع على ما ينبغي ثم يجعل فيها من النورة المغسولة غسلاناً تاماً مع إسفيداج وأفيون وبياض البيض وشيء من اللبن.
وأيضاً: يؤخذ ورق الخبازي فيسلق سلقة بماء عذب ثم يسحق وينقى من الأشياء الخيطية التي فيه ثم يجمع إليه مرداسنج مربى وإسفيداج القلعي من كل واحد جزءان ونصف ومن دهن الورد أربعة أجزاء ومن ماء عنب الثعلب وماء الكزبرة من كل واحد جزء.

.فصل في الأدوية الحرفية التي بحسب الغرض الثاني:

أجود الأشياء لذلك مرهم النورة ونسخته: تؤخذ النورة وتغسل سبع مرات حتى تزول حدتها كلها ثم تضرب بدهن الورد أو الزيت وقليل شمع إن احتيج إليه: وربما زيد عليه طين قيموليا وبياض البيض وقليل خل خمر.
مرهم النورة بصفة أخرى: تغسل النورة كما علمت ويتخذ منها بماء ورق السلق وورق الكرنب ودهن الورد والشمع مرهم ومما يصلح ههنا أو حيث لا يخاف تبثر وتنفط أن ينثر عليها ورق الأثل المحرق أو الخرنوب المحرق.
مرهم جيد يصلح لقليل الحرارة وهر طويل التأليف جرب فوجد جيداً.
ونسخته: يؤخذ إخثاء البقر الراعي المجفف وقشور شجرة الصنوبر ومشكطرامشيع من كل واحد عشرة دراهم ومن المراداسنج ثلاثة ومن خبث الفضة إثنان ومن خبث الرصاص أربعة ومن النورة المغسولة بالماء البارد مراراً كثيرة خمسة ومن القيموليا خمسة ومن الطين القبرسي أو الرومي أو الأرمني ومن إسفيداج الرصاص سبعة سبعة عصا الراعي المدقوق عشرة مداد فارسي أو صيني ستة توتياء خضراء سبعة بعر الضأن عشرة حب اللبلاب وورقه خمسة عشر خمسة عشر خبث الحديد وعصارة ورق الخطمي وعصارة ورق الخبازي عشرة عشرة سوسن أزاد وبصلة وسوسن أسمانجوني وزعفران خمسة خمسة كافور أربعة موم ودهن ورد ومخ الأيل وشحمه مقدار الكفاية.
ومما هو أشدّ قوة ويصلح لما هو أقل حرارة أن يؤخذ برادة النحاس والحديد يعجن بالطين الحر أو الطين الأحمر ثم يحرق في تنور أو أتون ويقرّص ويحفظ ويستعمل ذروراً حيث يحتاج إلى تجفيف أو يطلى بدهن الورد ومن هذا القبيل أيضاً يحرق خرء الحمام في خرقة كتان حتى يترمد ويطلى بدهن فهو عجيب.
والمواضع المقرحة ينفع منها الكراث المسلوق أو بقلة الحمقاء مع سويق وورق الآس المسحوق ذروراً فإن استعصى فورق الأثل المحرق أو ورق الينبوت المحرق وإن كان أعصى من ذلك.

.فصل في حرق الماء المغلي:

قد يتفق أن تنصب قدراً تغلي أو ماء حاراً على عضو من الإنسان فيفعل فعل النار والأصوب له أن تبادر في الحال قبل أن يتنفط فيطلى بمثل الصندل وماء الورد والكافور ولا يترك يجف بل يتبع كل ساعة بخرقة مغموسة في ماء بارد مثلوج فإن هذا يمنعه من أن يتنفّط وقوم يبادرون فينثرون عليه ماء الزيتون أو ماء الرماد.
والأجود أن يسحق أيهما كان بالسويق أو مرهم النورة وأيضاً الدواء المتخذ من زبل الحمام المذكور عجيب جداً والقروح تعالج بالكراث المسلوق أو المجفف المسحوق وهو أجود أو بسائر ما قلنا في الباب الأول.

.فصل في نزف الدم وحبسه:

قد علم في الكتاب الأول أن الدم الذي يخرج عن العروق إنما يخرج إما لانفتاح فوهاتها بسبب ضعف من العروق أو لشدة من الإمتلاء أو لحركة قوية حتى الصيحة والوثبة وإما بخار جاذب يرد من خارج وإما لانصداعها وانقطاعها بسبب قاطع فساخ أو بسبب تأكّل من داخل أو شدّة حركة مع امتلاء وإما للرشح عنها التهلهل واقع لجرم العرق وصفاقه وأولى العروق أن يسيل ما فيه إذا وجد طريقاً هو الشريان فإن جرحه متحرك وما فيه تارة ينقبض وتارة ينتشر وإذا لم تضيق عليه مكانه بعد تفرق اتصاله ووجد خلاء آل الأمر إلى أبورسما المسمى أم الدم والشريان وإن كان مما يلتحم فهو مما يعسر التحامه وكثيراً ما لا يلتحم الشريان ويلتحم ما يحيط بالشريان ويضيق عليه فلا يقدر الدم على سيلان فاحش بل يخرج منه شيء إلى ناحية الجلد بقدر ما يسع فإذا رفق به بالغمز عاد واستبطن كما يعرض للعنق وربما بقي العرق نفسه تحت الجلد يحس بنبضه وبعتقه وكثيراً ما يعرض ذلك للشريان من باطن فيتفتق من غير أن ينفتق الجلد فيحصل تحت الجلد أبورسما ورماً ليناً من دم وريح يمكن أن يسكن بالغمز فهذا كثيراً ما يعرض في العنق والأربية والمأبض من تلقاء نفسه وكثيراً ما يعرض من سبب من خارج ومن فصد وكثير من الأطباء ظنوا أن كل فتق للشريان يؤدي إلى أم الدم لأنه لا يلتحم بل أكثر ما يكون أن يلتحم ما حوله ويصير الورم المعروف وأما هو نفسه فلا يلتحم وليس الأمر كذلك.
أما من نفى الإلحام فقد احتج بقياس وتجربة.
أما القياس فلأن إحدى طبقتي الشريان غضروفية والغضروف لا يلتحم.
وأما التجربة فلأنه ما رؤي التحم.
وقابلهم جالينوس بقياس وتجربة.
أما القياس فخطابي وصورته أنه بين الملتحم كاللحم وغير الملتحم كالعظم فيجب أن يكون ملتحماً ولكن صعب الإلتجام.
وأما التجربة فالمشاهدة فقد حكي أن كثيراً من الشرايين داواها فالتحمت وكان هذا شيء قد كنا فرغنا منه لكنا نقول الآن أن الأعضاء تختلف حال انبعاث الدم منها فمنها غزير انبعاث آلم إذا انفتق مثل الكبد والرئة ومنها قليل انبعاث الدم.
وفي كل واحد من القسمين ما هو خطر وغير خطر مثل انبعاث الدم من الرئة ومن الأنف فإن ابنعاث الدم من الرئة خطر ومن الأنف غير خطر وكلاهما ينبعث عنهما دم كثير.
ومثل انبعاث الدم عن المثانة والرحم والكلية فإنها لا ينبعث عنها دم كثير جداً جملة بل ربما كثر بطول المدة فأدى إلى عاقبة غير محمودة.
ويختلف حال النزف من الشرايين فيكون في بعضها صعباً جداً خطراً مثل الشرايين الكبار على اليد والرجل فإن أمثال ذلك يقتل في الأكثر فلا تحتبس وفي بعضها سهلاً مثل شريان القحف فإن حبس نزفها سهل ويكفي فيه الشد وحده وكثيراً ما يسيل من الشرايين الصغار دم ثم يحتبس من تلقاء نفسه وقد تعرف الفرق بين دم الشريان وغيره أن دم الشريان يخرج نزواً ضربانياً أرق وأشدَ أرجوانية من غيره ليس إلى سواد دم الوريد وقتمته.
واعلم أن كل من وقع له استفراغ وخصوصاً دموي وخصوصاً شرياني فأفرط وحدث به تشتج رديء وكذلك إن حدث به فواق فهو قاتل وإن كان غشياً مع فواق فالموت عاجل والهذيان واختلاط العقل رديء فإن قارن التشنج فهو قتال في الأكثر.
يجب في علاج نزف الدم أن تبتدىء فتحبس ثم تعالج.
قرحة إن كانت ولا يمكنك أن تحبس فيما سببه ثابت من أكال أو نحوه إلا بأن يزال السبب وإن كان الحال لا يمهل إلى إزالة السبب احتاج أن يحبس بحوابسه وهي الأسباب التي لها ينقطع الدم السائل وتلك الأسباب معلومة من الكتاب الأول إلا أنا نذكرها على وجه الاستظهار فنقول أن تلك الأسباب إما أن تكون صارفة إلى جهة غير جهة ذلك المخرج وإما أن تكون مانعة في ذلك المخرج عن الخروج وإما أن تكون جامعة لأمرين من ذلك أو أمور.
والقسم الأول وهو الصارف إلى جهة أخرى إما أن يكون بجذب إلى الخلاف من غير اتخاذ مخرج آخر كما توضع المحاجم على الكبد فيرقأ الرعاف من المنخر الأيمن وإما بإحداث مخرج آخر كما يفصد المرعوف من اليد المحاذية للمنخر فصداً ضيقاً.
وأما الحابسة دون المخرج فتكون بما يمنع حركة الدم ونفوذه وهو: إما لسبب مخثّر وإما لسبب مخدر.
والمخدر إما دواء وإما حال للبدن كالغشي فإنه كثيراً ما يحبس الدم.
وأما بخشكريشة بكي أو بدواء كاو وإما بجمود علقة وإما بتغرية أو تجفيف أو إلحام وإما بضغط من اللحم المطيف بالعرق فيسده ويطبقه إطباقاً شديداً.
ويجب أن تعلم أنه إذا صحب الجراحة ورم تعذر كثير من هذه الأعمال فلم يمكن الربط بالخيوط ولا إدخال الفتائل ولا الشد العنيف وإنما يمكن حينئذ استعمال التغرية والقبض والتخدير وتخثير الدم وإن كان علاج من شد أو شق أو تقريب دواء إذا كان موجعاً فهو رديء جداً وكل نصبة موجعة فرديئة ويجب أن تكون النصبة جامعة لأمرين أحدهما فقدان الوجع والآخر ارتفاع جهة مسيل الدم فلا تُعان بالتدلية والتعليق فيسهل بروز الدم وخروجه.
وإذا تمانع الغرضان ميل إلى الأوفق بحسب المشاهدة والأقرب من الاحتمال في الحال ونحتاج الآن أن نذكر وجهاً وجهاً بعد أن تعلم أن أول ما يجب أن يتفقد أن تعرف هل العرق شريان أو وريد بالعلامة المذكورة فتحتفل بالشريان وتعتني به أكثر مما تفعل ذلك بالوريد ثم نقول فأما الجذب بالخلاف لا إلى المخرج فمن ذلك إيلام العضو بالدلك أو بالربط.
والشد أو بالمحاجم ويجب أن يكون العضو عضواً مشاركاً موضوعاً من الموضع المؤف وضعاً على طرف خط واحد يصل بينهما في الطول أو العرض ويختار من المخالف في الوضع طولاً وعرضاً أيهما كان بعيداً ويترك ما كان قريباً مثل ما يكون في جانبي الرأس أو جانبي اليد فإن البعد بينهما أقرب مما يجب أن يتوقع منه التصرف التام وهذا شيء يحتاج أن يتذكر ما قلناه فيه حيث تكلمنا في الكتاب الأول في قوانين الاستفراغ ويجب أن يكون الشد والدلك ونحو ذلك متأدياً مما هو أقرب إلى العضو الدامي ثم ينزل عنه.
ويجب أن لا يتوقع في فتوق الشرايين ونحوها أن يكون هذا الصنع كافياً في حبس النزف بل مغنياً وكذلك الحكم في فصد الجانب المشارك المباعد.
وأما أحد وجهي القسم الثاني وهو السبب المخثر فمثل أن يطعم من يكثر رعافه أو غير ذلك أغذية غليظة الكيموس مخثرة للدم كالعدس والعناب ونحو ذلك.
وأما الوجه الثاني فمثل أن يسقى المخدرات والماء البارد ويعرض البدن للبرد وينوم وربما نفع الغشي وحبس النزف.
وأما الوجه المذكور للقسم الآخر فيجب أن تراعي فيه باباً واحداً وهو أنه ربما كان الشريان ليس إنما اتصل بالقلب من جانب واحد من جانبيه حتى إذا سددته وحده أمنت بل ربما اتصل بالجانب الآخر شعبة من شريان آخر تعترض فيه وتؤدي الدم إليه من غير الطريق الذي سددته فيحتاج إلى سدين وقبل ذلك فيجب أن تعرف الجهة التي هي المبدأ للعرق ففي بعض المواضع يكون من أسفل كما في العنق وفي بعضها من فوق كما في الفخذ والرجل فإذا حصلت الجهة استعملت فيها الربط والشد ومن التدبير في ذلك أن يتوصل إلى إخراج العرق بصنارة أو بشق قليل للحم الذي يغطيه ويخفيه ثم تلفه ثم تستعمل له الأدوية التي نذكرها وإن كان ضارباً فالأولى أن تعصبه بخيط كتان وكذلك إن كان غير ضارب إلا أنه كبير لا يرقأ دمه فإذا فعلت ذلك ألزمته الأدوية وتركت الربط إلى اليوم الثالث والرابع وحينئذ فإن رأيت المواء المغري لازماً وإن عرض له تبرء من تلقاء نفسه عند إزالتك ما فوقه فاضبط بإصبعك ما دون الموضع في طريق مجيء العرق واغمزه غماً تأمن من معه توثب الدم واقلع ما قد تبرأ منه وقلق في موضعه وبدله بغيره وتكون نصبتك للعضو في ذلك الوقت على ما ينبغي وهو أن تكون الفوهة أعلى من المبدأ حتى إذا كان مثلاً في أسافل المعي أو الرحم فرشت فراشاً يقل الأسافل وبطأ طيء الأعالي على أبعد ما يكون من الوجع ثم اتركه ثلاثة أيام يلزم هذه الوتيرة إلى أن يرقأ الدم.
وأما الردم بالإلقام فذلك إنما يمكن في الشريان العظيم بأن تتخذ فتيلة من وبر الأرنب أو نسج العنكبوت أو رقيق القطن أو خرق الكتان البالية ثم تذر عليها الأدوية المغرية والمانعة للدم وتدسّ في نفس الشريان كاللقمة ثم تشد عليه الرباط وربما استعملت الفتيلة من مثل وبر الأرنب وحده فكفت المؤنة ويجب أن تشد شداً لازماً لا يفارق حتى يلتحم.
وأما الفتيلة فالطبيعة تدبر أمرها في إخراجها قليلاً قليلاً ودفعها أو في غير ذلك.
وأما الردم بلا إلقام فبأن يوضع مثل ذلك الشيء في الفوهة ويشد عليها من غير إنفاذ له في العرق وأن تحبس بمثل الرفائد وخصوصاً الإسفنجية وبالعصابات القوية الشدً والشد الشديد بها بعكس الشد الذي يكون للجذب فإن الشد الأول يجب فيه أن يكون بقرب الفوّهة ثم يلفّ ذاهباً إلى خلف ويقلل الشد بالتدريج وههنا يكون بالخلاف.
واعلم أن شد الرفائد والعصائب إذا كانت ضعيفة جاء منها مضرة الشد وهو الجذب ولم تجىء منها منفعة الشدّ وهو الحبس والردم فيجب أن يتلطف في هذا الباب فإذا شددت شداً جيداً شددت أيضاً من الجانب المخالف لتميل المادة وتقاوم جذب هذا الشدّ وإنما يجب أن يبلغ بالشد المنع دون الإيلام اللهم إلا أن تحتاج إليه أولاً ثم ترخيه قليلاً قليلاً.
وكثيراً ما تحتاج أن تخيط الشق من اللحم وتضم شفتيه وتعصبه وكثيراً ما يكفي ضم الشفتين ووضع رفائد حافظة للضمّ عرفتها ثم شد على أدوية تنثر ملحمة.
ومثل الودج إذا انفتق يجب أن تضغطه عند ابتدائه بأصابع إحدى اليدين ثم تلزمه الأدوية والرفائد عند الفوهة باليد الأخرى.
وأما الردم بالعلقة فالعلقة تحصل إما بشدّ رادم في وجه الفوهة لا يزال يمسك حتى يجمد الدم فيصيرردماً وإما بشيء مبرد جداً يؤثر في الدم ويجمد في الفوّهة.
وأما الضغط من لحم الموضع فمثل أن يقطع العرق عرضاً فيتقلّص إلى الجانبين أول مرة فينطبق عليه اللحم من الجانب الذي يسيل منه وهذا لا يكون إلا في الموضع اللحيم وكثيراً ما يتفق أن يحتاج إلى قطع شعبة من طرف العرق ليكون دخوله في الغور أشد ثم تجعل عليه الأدوية وكثيراً ما يقع التحام المجرى من غير أم الدم.
وأما الشد بالخشكريشة فيكون بالنار نفسها إذا عظم الخطب ويكون بالأدوية الكاوية مثل النورة والزنجار والزاجات والزرانيخ والكمون أيضاً ونحوها فيما هو أضعف إذا ذرت على الموضع وكذلك زبد البحر فكثيراً ما ينثر على الموضع ويشد فيحبس.
لكن الخطر في ذلك أن الخشكريشة سريعة الانقلاع من ذاتها ومن أدنى مقاومة من إحفاز الدم وأدنى سبب من الأسباب الأخر فإذا سقطت الخشكريشة عاد الخطب جذعاً ولذلك أمروا أن يكون الكي بالنار بحديدة شديدة الإحماء قوية حتى تفعل خشكريشة عميقة غليظة لا يسهل سقوطها أو تسقط في مدة طويلة في مثلها يكون اللحم قد نبت.
فإن الكي الضعيف يحصل منه خشكريشة ضعيفة تسقط بأدنى سبب ومع ذلك فتجذب مادة كثيرة وتسخن تسخيناً شديداً.
وأما الكي القوي فيردم بالخشكريشة القوية ويزيل الفتق ويضمره ويقبضه.
ومن الكاويات الجيدة المعتدلة التدبير أن يؤخذ بياض البيض ويمع بنورة لم تطفأ ويلوث به وبر الأرنب أو نحوه ويجعل على الموضع ويشد.
ومن الجيد البالغ كثيراً أن يؤخذ الكمون والنورة ويجعل على الموضع ويشد وقد يزاد عليها القلقطار والزاجات وهذه الجملة ذوات فبض مع الكي.
والنورة لها كي وليس فيها قبض يعتد به والمتولّد من الخشكريشات بكيّ ما له قبض أطول ثباتاً وأعمق وعصارة روث الحمار وجوهر روث الحمار مما يجمع إلى الكي بالحدّة تغرية.
وأما الأدوية الحابسة بالتغرية فمثل الجبسين المغسول واللك المطبوخ والنشاء وغبار الرحا والصموغ والكندر والريتيانج.
وأيضاً زبيب العنب نفسه والضفدع من هذا القبيل فيما يقال وأيضاً كوكب ساموس.
وأما الأدوية الحابسة بالتجفيف والإلحام فمثل: الصبر ونشارة الكندر ومثل عجم الزبيب المدقوق جداً والعفص يدهن ويحرق فإذا تم اشتعاله يطفأ والبردي المحرق والريتيانج المقلو وصدأ الحديد وزبل الفرس وزبل الحمار محرقين وغير محرقين ورماد العظام ورماد الصدف غير مغسولين فإن المغسول من باب المغري والإسفنج الجديد المغموس في زيت أو شراب ثم يحرق والشعر المحرق.